Shakira

مجموعة قصص قصيرة نشر معظمها في جسد الثقافة مابين 2003-2005

الأحد، ذو القعدة ٢١، ١٤٢٥

شيء يتعبني

غالبتْ شهقة كبيرة وحبستها الى الداخل قبل أن تأذن للمريض بالجلوس . كان فارهاً
لدرجه أنها لم تتفوه بشيء .- يا سيدتي ..شيٌ ما يتعبني . كأن عيناً جاريةً

نبعت من شفتيه وهو يشكو ..! قالت ذلك وهي تلتقط كوب الماء من أمامها لتبلل شفتيها..
- مم تشكو يا أسـتـ .. ا....ذ ....؟ألقت نظرة سريعة على ملفه الصحي

لتلتقط اسمه واسم الشركة التي منحته تأمين العلاج في المستشفى .مضت ثانيتين ثم
بنبرة استفهام :- أستاذ أحمد ؟؟ ما لذي يتعبك بالتحديد يا سيدي ؟كأنما لم

يعجبه السؤال .. قطب ما بين حاجبيه وتراجع بمقعده إلى الوراء .رأت صدراً عريضاً
يتسع لما بين السماء والأرض من تعبْ.- بدون مقدمات يا دكتورة ..أرغب في

أجازة لمدة 3 أيام . زوت هي الأخرى ما بين حاجبيها والتقيا في حيرة عجيبة ..عدلت من
جلستها و قالت :- يا أستاذ أحمد أنت تعرف الأنظمة ..شركتكم لا تسمح

بإجازة مرضية لمدة 3 أياممالم يكن هناك علة حقيقية .. سكتت قليلا ثم أضافت :- أنت
على علم بذلك ..أليس كذلك ؟ترك يده على حافة مكتبها .. أقسمت لنفسها أنها

رأت على راحة يده أكواباً موضوعة.هز رأسه كأنما يريد اقناعها بشيء لا وجود له و
قال:- هناك علة يا دكتورة .. حتما هناك علة . ثمان سنوات وأنا أعمل في

شركتنا دونملل . أنهيت فيها اجازاتي السنوية والإضطرارية ، ولكن لم يحدث يوما أنني
تغيبت عن عمليدون عذر . غالبا ما اضطر للتغيب لأعتني بأمي العجوز.

اليوم اشعر بتعب وارهاق شديدين .. شيء يتمردّ في داخلي على كل ما حولي .. أرغب في
تغيير نمط حياتي ..توقفت عند عبارته الأخيرة وقالت :- هل تستطيع

إقناعي كيف يمكن لرجل تغيير نمط حياته في 3 أيام ؟عدل من جلسته قليلا أمام
استفزازها له بسؤالها التهكمي وأجابها :- على الأقل أنا بحاجة إلى وضع تصور

جديد لحياتي المستقبلية . أريد أن أعيش حياة أخرىتختلف عما أنا عليه .هزت رأسها
مشجعة كأنما تستحثه أن لا يتوقف ولو ثانية .- هل أنت متزوج ؟ سألته .-

لا .. الى الآن لم يسعفني الوقت لأن أجد لي زوجة ، أنا آخر العنقود عند أمي
ولهذاادّخَرتُ ما بقي مني لأجلها ، أنا أعمل فترتين بينهما فاصل ساعتين ،أحرص فيهما


على تناول الغداء مع أمي والعناية بها ، وعندما أعود في المساء اكتفي بدعائها لي
وأنام .- مازال الوقت مبكرا . رجل على حافة الثلاثين يستطيع أن يجد له زوجة

بسهولة لو رغب فيذلك. بدأ يتململ في جلسته كأنما يريد النهوض.أشارت الى السرير
المقابل وطلبت من ممرضتها أن تهيئ مريضها للكشف السريري.أخذت تتصيد

نبضات قلبه بسماعتها لكنها لم تصغي لشيء . شدوّ الطيور كان طاغيا .- ألا أستحق
اجازة راحة بنظرك؟- في الحقيقة بلى ، ولكنني أتبع الأنظمة .. مبدئيا أنت لا

تشكو من شيء . قلبك سليم ..نبضكسليم . لا أجد فيك علة ظاهرة . ولا حتى زكام أو
انفلونزا !- ألا يوجد في مهنتكم بندا آخر للإجازات غير الإجازات المرضية

؟كانت تدون في ورقة الكشف اجازة راحة لمدة يومين بسبب الإجهاد الشديد . وكان
يشكرهابحرارة عجيبة وهو يوليها ظهره شطر الباب .أغمضت عينيها لبرهة غير

مصدقة ، وأقسمت لنفسها أنها رأت أنثى وكأنها الحورُالعين تتبعه كـ ظِله. مضى بضع
دقائق على استغراقها في نوبة تأنيب ضمير عنيفة . لأول مرة تتجاوز ضميرها

المهني وتمنح مريضا اجازة مرضية دون سبب ظاهر . عندما تضع رأسها على وسادتها هذا
المساء ستحاسب نفسها حسابا عسيرا ، أما الآن فلا وقت لديها لذلك .

هناك نداء عاجل لحالة طارئة .وضعت سماعتها في جيبها سريعا ، الـ blue code عبر
المايكرفون يسحبها الى غرفةالطواريء سحبا (*). كانت هناك جثة

كبيرة مغطاة يحيط بها عدد من زملائها . يبدو انها تأخرت بعض الشيء.- كيف مات ؟؟سألت
زميلتها في أسى ، لا يتناسب مع اعتيادها لهذا الحدث.- حدث كل شيء

بسرعة . لو رأيتِه وهو يهوى في ممر المستشفى كـ جبلٍ خرّ صعِقا . خرجت روحه بأسرع
من محاولاتنا لإنقاذه . يبدو انه كان مستعجلا جدا.أحست برغبة في أن

تراه فسحبت الغطاء الأبيض عن وجهه. تراجعت الى الوراء . هذه المرةلم تفلح في أن
تشهق الى الداخل . كان هو ..!لمحت طرف ورقة الإجازة في جيبه.أقسمت لنفسها أنها رأته
يبتسم لها .


© شاكي Shaki